سياسة الحكومة تُبقي على دائرة الفقر التي تحيط ببدو النقب. أموال الخطط الخماسية لا تصل إلى الجمهور، وإنما إلى هيئات تنفيذية أخرى أساسًا، وهذه الهيئات لا تؤدي إلّا إلى تفاقم الخلاف بين الدولة ومواطنيها.
إسرائيل هي أفقر البلدان ال-35 في منظمة OECD لعام 2016، وذلك وفقًا لتقرير أصدرته مؤسسة التأمين الوطني عن أبعاد الفقر والفجوات الاجتماعية والّذي تك نشره في نهاية عام 2017. ولكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يفتخر بإسرائيل كدولة التكنولوجيا العليا والسايبر. خلق مثل هذه الصورة الناجحة تُضعف الحاجة في تداول الواقع المرّ: أكثر من مليون وثمانمائة ألف شخص في إسرائيل يعيشون في الفقر.
يبلغ معدل نسبة الفقر من مجموع السكان الكلّيّ 18.6 في المائة، أي أن نسبة كبيرة من المواطنين الإسرائيليين لا يستفيدون من ثمار التكنولوجيا العليا. 463 ألف أسرة، بما في ذلك أكثر من 842 ألف طفل، يعيشون تحت خط الفقر، لا سيما من الفئات الضعيفة كالأقليات، الإثيوبيين، المسنين وغيرهم. من الأفضل أن لا نتحدث عن ذلك، فرائحة الفشل حاضرة. إذا كانت الحكومة تتعامل مع الفقر، فكما يبدو لا يمكن حل المشكلة.
ولكن الفشل الذي سأتطرّق إليه هنا أكبر. للمرة الأولى هذا العام، أعطانا تقرير مؤسّسة التّأمين الوطني لمحة عن الوضع الاقتصادي للسكان البدو في النقب، والّتي تم أخذ عينات منها بطريقة خاصّة. يصل معدّل نسبة الفقر في أوساط البدو في النقب إلى 58 بالمائة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف معدل الفقر العام. تصل نسبة الفقر بين الأطفال البدو إلى 70 بالمائة، مما يعني أن من بين 250 ألف شخص أكثر من 100 ألف طفل في عداد الفقراء. من بين ال 20 طفلا المولودين اليوم، 14 منهم حُكِموا بالعيش في الفقر، بينما الأكثر حزنًا من ذلك كله هو أن السبب في ذلك ليس الكراهية، ولكن عدم الاكتراث.
ليس من المؤكد على الإطلاق أن رئيس الوزراء يرى هؤلاء السكان، وليس يقينًا على الإطلاق أنه يدرك أنّ الحديث هنا هو عن ثلث سكان النقب، يرتبط مصيرهم في جوهر مصيره. ماذا سيحدث لسكان النقب، إذا كانت هناك مجموعة كبيرة غير قادرة على الحصول على قوت يومها، وأطفالها يذهبون إلى الفراش على معدة فارغة؟
يتجلى نقص الخدمات الصحية في القرى وضعف إمكانية الوصول إليها في وفيات الرضع، وهي أعلى بثلاث مرات من معدل الوفيات لدى السكان اليهود. النّقص في عشرات رياض الأطفال، وفقًا للجنة التعليم في الكنيست، التي كان من المفترض بها أن تعتني بتثقيف حوالي ألفي طفل، والتسرب الكبير من النظام التعليمي المتداعي، بالفعل لا تعطي السكان البدو في النقب أفقًا أو مستقبلًا.
من هذا بالطبع تُستمد أيضا مسألة الإسكان التي وصلت إلى أبعاد أزمة إنسانية حقيقية في القرى والبلدات البدوية. العديد من بدو النقب يعيشون في ثكنات، بكل ما يعنيه ذلك من كلمة، بسبب فشل الحكومة الطويل والمتجسّد في إهمالها قضية الاعتراف بالقرى. كذلك في القرى التي اعترفت بها الدولة في العقدين الماضيين، لا يمكن الحصول على تصاريح بناء، ولا توجد أي أرض للبناء. أين، إذن، حُكم على هؤلاء السكان العيش؟
السياسة الحكومية تؤدي إلى تدمير مئات المنازل سنويًّا، مما يترك آلاف الأشخاص دون بديل أو مأوى. يضطر هؤلاء البؤساء، في إطار جهد مالي هائل، إلى إقامة بناء بديل، وإلا فإنهم سيبقون تحت السماء المفتوحة. لا يكاد يوجد في النقب منزل بدوي واحد لم يتعرض للهدم، مع ما يترتب عليه الهدم من تداعيات اقتصادية وقانونية ونفسية.
في الأوّل من شباط/فبراير من هذا العام، دخل أفراد وحدة يواف- قوة شرطة خاصة لتنفيذ قوانين التخطيط والبناء، وهي وخدة لا يواجهها اليهود لأنها “تُعالج” البدو فقط- إلى قرية أم بطين، بالقرب من عومر، ورافقوا توزيع أوامر هدم في القرية. وعلى الرغم من الاعتراف بالقرية لأكثر من عقد من الزمان، فإنه لا يمكن الحصول على تراخيص بناء. ولذلك، فإن جميع أعمال البناء في القرية غير قانونية، ويتم توزيع أوامر الهدم على الرغم من عدم وجود حلول بديلة للسكن.
جلبت قوات يواف لصبحة، وهي امرأة تبلغ من العمر 70 عاما تعيش وحدها، أمر هدم بحقّ منزلها الذي تسكنه منذ عقود، لأنها كانت قد رمّمته تحضيرًا لفصل الشتاء. وفي جزء آخر من القرية، قامت القوات بكسر النوافذ واقتحام منزل وليد، أحد سكّان القرية وأب ل-16 طفلًا. هدد وليد بإضرام النار بنفسه وعندها تراجعت القوّات. في كلتا الحالتين سيتم تنفيذ الأمر عاجلًا أو آجلًا، ومن ثم سيتعين على صبحة ووليد إعادة بناء منازلهم. لأجل القيام بذلك سوف يضطرا إلى الحصول على قرض من كل شخص يعرفونه وهو على استعداد لتقديم المال لهم، أو الاكتفاء بهيكل أكثر هشاشة من المعتاد.
معالجة شؤون السكّان البدو من قبل الدولة تتجسّد في الخطط الخماسية الّتي لا تصل إلى الجمهور، وجسم مترامي الأطراف يحتوي على كل جهات تنفيذ القوانين الّتي لا تفيد إلا بتفاقم الأمور. في نهاية المطاف، لن يأتي أحد للحديث مع العائلة عن شعورها في ظل مأساتها وأساة أولادها، لن يكترث أحد لتوفير سكن بديل للعائلة ولن يعالج أحد فقرها. هكذا سيستمر عرض الفقر المتواصل، هكذا تعالج دولة السايبر شؤون أفقر سكانها وفقرائها عمومًا.
حايا نوّح تقيم في عومر وهي المديرة العامّة لمنتدى التعايش للمساواة المدنية في النقب.