في الأسبوع الماضي، وقع سكان القرية غير المعترف بها على اتفاق خروج طوعي، ظاهريًا، ذلك كي يتسنى للدولة توطين اليهود على أراضيهم. والآن السؤال هو، كيف يمكن أن يسمى اتّفاق يأتي بعد خمسة عشر عاما من الاستنزاف وسوء المعاملة من قبل الدولة، “اتّفاقًا طوعيًّا“؟
تعتبر أم الحيران واحدة من أكثر القرى الخلابة في النقب، ويريد أهلها مواصلة العيش فيها، رغم أنهم يعترفون بصدق بأن هذه الأرض ليست أرضهم، وأن أرضهم الأصلية تقع بالقرب من كيبوتس شوفال. في الخمسينيات، أجبرت السلطات سكان أم الحيران على مغادرة أراضيهم وأن يستقرّوا في المنطقة التي يعيشون فيها منذ ذلك الحين وحتّى اليوم. منذ أكثر من ستين عاماً كانوا يعمل أهالي القرية لاستصدار الاعتراف الحكومي بالقرية، التي تم إنشاؤها في جنوب جبال الخليل، بالقرب من الخط الأخضر.
لكن عشية ذكرى المحرقة، بعد نضال طويل من أجل الاعتراف، أُجبر سكان أم الحيران على توقيع “اتفاق تسوية” وبذلك عمليًّا أن يعترفوا بأنهم فشلوا في مهمتهم. وقع السكّان على وثيقة تسمح للسلطات بنقلهم إلى بلدة حورة، وتوّج كفاح دولة إسرائيل ضد أهالي أم الحيران كإنجاز آخر في واحدة من “أنجح” حروب الدّولة في سبيل “إنقاذ النقب”. الاتفاق يعني أن الدولة تعتزم سلب مجموعة من المواطنين البدو من قريتها وأرضها – متجاهلين حقيقة أنهم أسسوا مكانهم في المنطقة بناء على أوامر من السلطات – من أجل توطين سكان يهود في مكانهم.
يعيش سكان أم الحيران في قريتهم منذ حوالي 64 سنة. قبل خمسة عشر عامًا، بدأت السلطات بإصدار أوامر هدم على وإلصاقها على مداخل منازلهم، مهدّدةً أهل القرية بهدم منازلهم. بالفعل، هُدمت بعض المنازل، لكن الناس بنوا منازل متواضعة وصغيرة مجدّدًا، واستمروا في العيش في القرية، مع شعور بالحسرة، دون كهرباء، دون مياه جارية ودون أي بنية تحتية تذكر، كلّ هذا في محاولة للتشبث بالعيش في مكان ولدوا فيه وأحبوه.
على مر السنين، غادر آلاف السّكان المنطقة وانتقلوا إلى بلدة الحورة، لكن الدولة لم تكتف بذلك. من بين جميع الأراضي المتاحة في المنطقة، طالبت الدّولة بالذّات بهذه القطعة من الأرض، واختارت طرد عائلة أبو القيعان منها لتوطين اليهود هناك. وفقا لقواعد حيران، المجمّع السّكنيّ الذي سيحل مكان أم الحيران، فسوف يسكنه يهود الّذين من المرجح أن يكونوا متديّنين-أرثوذوكسيين.
من أجل “إقناع” أهالي أم الحيران بمغادرة قريتهم، اتخذت السلطات عددًا من الخطوات. وهكذا، في يناير/كانون الثاني من العام 2017، وصل المئات من رجال الشرطة والقوات الخاصة إلى القرية وشرعوا باتخاذ مواقع في القرية وإطلاق النار. يعقوب أبو القيعان، من سكّان القرية، وهو مدرّس وأب أطفال، قُتل بنيران الشرطة، ورغم وجود أفراد الخدمات الطبية وسيارات الإسعاف، لم يُسمح لقوات الإنقاذ بمساعدته وبالتالي نزف أبو القيعان حتى الموت.
“اتّفاق” مع سكّان منهكين
النساء، الأطفال وكبار السن رُوِّعوا من جراء الهجوم العنيف على قريتهم وظلوا مذهولين بسبب القتل واستخدام الذخيرة الحية التي كانت من الممكن أن تصيب أي واحد منهم. منذ ذلك الحين، العديد من أبناء القرية، وخاصة الأطفال، يعانون من حالة ما بعد الصدمة ومن القلق المستمر. لم يأت أحد من مكتب الرفاه المحليّ، الإقليميّ أو الوطنيّ للتّحقّق من وضعهم أو مدّ يد العون لهم. في الأشهر التي مرت منذ ذلك الحين، عادت قوات الشرطة مرارًا وتكرارًا إلى القرية، أرهبت السكان وتحرشت بهم ليلًا ونهارًا حتى يوقعوا اتفاقًا مع الدولة وينتقلوا إلى بلدة حورة الفقيرة والضعيفة.
جاءت اللّحظة الحاسمة في الأسبوع الماضي (11 نيسان/أبريل)، ليست اللحظة التي وقع فيها أهالي أم الحيران اتفاقاً طوعياً على مغادرة قريتهم، ولكن اللحظة التي هزم فيها ممثلو الدولة رجال لجنة القرية – اللحظة التي ألقوا فيها كل ثقلهم على أناس المنهكين اقتصادياً وجسديًّا بعد خمسة عشر عامًا من النضال دفعوا فيها ثمنًا باهظًا، سواءًا في وفاة يعقوب، البناء المتكرّر لمنازلهم فيما يتعلق بالهدم، النفقات القانونية أو في الإرهاق النّفسيّ الّذي مرّوا به. تحم~ل أهل أم الحيران أعباء النّضال على أمل أن يؤدي هذا النضال الديمقراطي والغير عنيف إلى إيجاد حل يبقيهم في مكانهم أو يدرجهم كأحد الأحياء في بلدة حيران المستقبلية.
من الجدير بالذّكر أنه على مدى السنوات الثماني الماضية تتموقع بلدة حيران في قلب غابة يتير. فيها حوالي ثلاثين عائلة (حوالي ثلث من عدد سكان أم الحيران) وسكانها، الذين عم خرّيجو البرنامج التحضيري (مخينا) في عالي الواقعة في الأراضي المحتلة، قرروا استيراد نماذج السّلب والنهب من الأراضي المحتلة إلى النقب. بعد كل شيء، لو أنّ الحديث دار عن بلد يهوديّ، لم يكن أحد ليفكر في طردهم من أجل استبدالهم بمستوطنين آخرين كانوا قد طمعوا بالمكان لأنفسهم.
ما الآثار والتّداعيات المترتبة على هذا النضال على البدو العرب في النقب والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل؟ ما هي تداعيات هذه الحالة على سلوك الدولة تجاه مواطنيها العرب عمومًا؟ هل تعتزم الدّولة الاستمرار في الحفاظ على نظام تمييزي وإضفاء الطابع المؤسسي على توزيع الحقوق بطريقة غير متساوية لمواطنيها؟ هل ستواصل منح السّكان العرب حقوقاً وامتيازات قليلة نسبة للسكان اليهود؟ هل تنوي فرض نظام الفصل العنصري (أبرتهايد) داخل إسرائيل؟
وبالنسبة لعرب النقب، فيجب القول أن السكان العرب في النقب يشكلون 34٪ من مجموع السكان في المنطقة. إذا لم تعامل الدولة مواطنيها العرب على قدم المساواة، أي إذا كانت ستميّز ضدهم بشكل مرفوض كما تُعامل مواطني أم الحيران، فعلى ما يبدو، سيصبح النقب منطقة حرب.
تم نشر المقالة في الأصل في موقع “سيحا مكوميت” العبريّ.